دماء الحُسَيْن... وقيامة أمَّـة!... بقلم رئيس مؤسسات المعهد العربي التربوية نائب بيروت السابق الدكتور حسين يتيم
... منذ الخلق، كان الانسان وكان الظلم، فَقَتَلَ «قابيل» أخاه «هابيل». وظلَّ الظلم يواكب الإنسان، كأنَّه سِمة الحياة. هكذا ظُلِمَ «الإمام الحُسَيْنُ» فَقُتِلَ بسيفٍ إسلامي، كما صُلِبَ «السيّد المسيح» بقرارٍ يهودي. ثارَ الحُسَيْن طلباً لإصلاح مجتمعٍ فاسد، حَرَفَه عن جادة الحق، حاكم سفيانيٌّ جائر هو يزيد بن معاوية، فكانت وسيلة الحُسَيْن الثورة، لإنتزاع حقّ مسلوب. فما أشبهَ الأمسِ باليوم، دواعشٌ يتوالدون، ويزيديون يتكاثرون، وصلحاء يُقْتَلون!... لقد حَوَّلَ معاوية الخلافةَ إلى نظام ملكي، فولَّى ولده يزيداً، خليفةً على الأمَّة، وكان هذا خليعاً فاسقاً سِكّيرا. فَاحْتَجَّ أهلُ الكوفة، وأرسلوا للإمام الحسين يطلبون بيعته خليفة شرعيًّا، ليكمل ولاية أبيه المغدور الإمام عليّ!...
... وعلى خطى أبيه، راح يزيدُ يشتري ذِمم أهل الكوفة، فأَخْلَفَ هؤلاء وعدَهم للحُسَيْن، وبايَعو يزيداً طمعاً بمالهِ وخوفاً من سلاحه. ولمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ وقُطِعَ رأسُه، أدرك الكوفيون سوء ما فعلوا، فحزنوا وندموا وراحوا يبكون ويَلْطِمُون، فكانت ثورة «التوَّابين» الفاشلة. من هنا بدأت عادة النَّدْبِ واللَّطم، ثمَّ تفاقمت، فصارت «التطبير». وسبق لأتباع المسيح في الفيليبين وجوارها، أن أدخلوا عادة اللَّطم والصلب على ذِكْراه. وقلَّدهم بذلك أتباع الحُسَيْن، فذهبوا فيها إلى الشطط والمغالاة، بما تنفر منه العين ويأباه العقل. وما يجري اليوم من ضجيج في مجالس عاشوراء، هو ظلمٌ مضافٌ. على أن ثورة الحسين، عَلَّمَتِ الأممَ المغلوبة كيف يُؤخذ الحق غلاباً ويُصْنَعُ النَّصر بالدّماء. وفي رأي أئمَّة الشيعة أنَّ هذه المظاهر مسيئة للثورة، كالعلاَّمة محسن الأمين، والإمام المظلوم موسى الصدر والعلاَّمة السيد محمد حسين فضل الله، ومرجعيات النجف وقم. فالحزن لواقعة كربلاء شعورٌ إنساني، وقد قُطِعَ رأس الحُسَيْن ومُثّلَ بجسده. وهذا لَعَمْرِي أمرٌ فظيع، يستنفرُ الدموع، ويستثير الغضب. ولكنَّه من الناحية الأخرى، يرفدُ الأمم المغلوبة بمعاني الإقدام والشهادة والفداء. إلاَّ أنَّ بعض المحافل العاشورائيَّة، تصر على تشويه ملحمة كربلاء جهلاً بقيمتها التاريخية. فضرب الجباهِ بالفؤوس وجلد الظهور بالسلاسل، لا يعدو أن يكون مشهديَّة دماء غزيرة، أولى لها أن تكون قرباناً في مقاومة العدو الصهيوني. إنَّ ثورة الحُسَيْن ليست للمسلمين وحدهم، وليس للشيعة الاستئثارَ بها، ولا تشويه أمرها بالخرافات والمغالاة!...
وفي هذا قال الإمام الحُسَيْن، «والله ما جئتُ أَشِراً ولا بَطِراً ولا ظالماً، بل جِئْتُ طَلَباً للإصلاح في أُمَّةِ جدّي». وفي هذا قال غاندي: «تعلّمتُ من الحُسَيْنِ أن أكونَ مظلوماً لأنتصر». وقال السيد المسيح لتجار الهيكل حاملاً سوطه: «يا أبناء الأفاعي، اخرجوا من هيكل الرَّب، فقد دنَّستموه». والخلاصة أن شبق السلطة، إسْتَوْلَد التَّسَلُّط، فصار الظلم والقتل وسيلة الوصول إلى الحكم والسلطان. من هنا نفهم، أن التاريخ الذي كتبه حُكَّام الدولة العربية، لم ينصف ثورة الحُسَيْن بل ظلمها عنوةً وكيْداً، على أن التواصل الاجتماعي اليوم يضع هذه الثورة في متناول العالم كلّه. إنَّها دماء المقاومة في لبنان، وهي شرف العرب وكل الأمم. ويكفي أن ثورة الحُسَيْن، قد فتحت اليوم أعين المستضعفين على شرف الحياة. فمواجهة الغطرسة الاسرائيلية والأميركية، لا يمكن الإنتصار عليها إلاَّ بكيمياء العُظماء، التي صُنعتْ من دماء الإمام الحُسَيْن والسيد المسيح!...
إنَّ دماء الحُسَيْن، مقاومةُ ظُلْمٍ، وإنتزاع عدالةٍ، وقيامةُ أمَّة.
p.p1 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: justify; font: 12.0px 'GE SS Light'}
p.p2 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: justify; font: 12.0px 'GE SS Light'; min-height: 15.0px}
span.s1 {font-kerning: none}
- Log in to post comments
- 8291 reads